سورة النحل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَلاَ تَشْتَرُواْ} ولا تستبدلوا {بِعَهْدِ الله} وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثَمَناً قَلِيلاً} عرضاً من الدنيا يسيراً كأن قوماً ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله {إِنَّمَا عِنْدَ الله} من ثواب الآخرة {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِندَكُمْ} من أعراض الدنيا {يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله} من خزائن رحمته {بَاقٍ} لا ينفد {وَلَنَجْزِيَنَّ} وبالنون: مكي وعاصم {الذين صَبَرُواْ} على أذى المشركين ومشاق الإسلام {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صالحا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} {من} مبهم يتناول النوعين إلا أن ظاهره للذكور فبين بقوله {من ذكر أو أنثى} ليعم الموعد النوعين {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} شرط الإيمان لأن أعمال الكفار غير معتد بها وهو يدل على أن العمل ليس من الإيمان {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيِّبَةً} أي في الدنيا لقوله {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله {فاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} [آل عمران: 148] وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسراً كان أو معسراً يعيش عيشاً طيباً إن كان موسراً فظاهر، وإن كان معسراً فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى. وأما الفاجر فأمره بالعكس، إن كان معسراً فظاهر، وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. وقيل: الحياة الطيبة القناعة أو حلاوة الطاعة أو المعرفة بالله، وصدق المقام مع الله، وصدق الوقوف على أمر الله، والإعراض عما سوى الله.


{فَإِذَا قَرَأْتَ القرءان} فإذا أردت قراءة القرآن {فاستعذ بالله} فعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأنها سبب له، والفاء للتعقيب إذ القراءة المصدرة بالاستعاذة من العمل الصالح المذكور {مِنَ الشيطان} يعني إبليس {الرجيم} المطرود أو الملعون. قال ابن مسعود رضي الله عنه: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي: {قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عليه السلام} {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ} لإبليس {سلطان} تسلط وولاية {على الذين ءَامَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فالمؤمن المتوكل لا يقبل منه وساوسه {إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يتخذونه ولياً ويتبعون وساوسه {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} الضمير يعود إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ} تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لحكمة رآها وهو معنى قوله {والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} وبالتخفيف: مكي وأبو عمرو {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} هو جواب {إذا} ً. وقوله: {والله أعلم بما ينزل} اعتراض، كانوا يقولون إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً فيأتيهم بما هو أهون، ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الحكمة في ذلك.


{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} أي جبريل عليه السلام أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال (حاتم الجود)؛ والمراد الروح المقدس وحاتم الجواد والمقدس المطهر من المآثم {مِن رَبِّكَ} من عنده وأمره {بالحق} حال أي نزله ملتبساً بالحكمة {لِيُثَبِّتَ الذين ءَامَنُواْ} ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا، والحكمة لأنه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب، حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب {وَهُدًى وبشرى} مفعول لهما معطوفان على محل {ليثبت} والتقدير تثبيتاً لهم وإرشاداً وبشارة {لِلْمُسْلِمِينَ} وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} أرادوا به غلاماً كان لحويطب قد أسلم وحسن إسلامه، اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب، أو هو جبر غلام رومي لعامر بن الحضرمي، أو عبدان: جبر، ويسار، كانا يقرآن التوراة والإنجيل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقرآن، أو سلمان الفارسي {لِّسَانُ الذى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} وبفتح الياء والحاء: حمزة وعلي {أَعْجَمِىٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} أي لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجمي غير بيّن، وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة رداً لقولهم وإبطالاً لطعنهم، وهذه الجملة أعني {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم. واللسان اللغة. ويقال: ألحد القبر ولحده وهو ملحد وملحود إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه، ثم استعير لكل إمالة عن الاستقامة فقالوا: ألحد فلان في قوله، وألحد في دينه ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13